أ.د. عدنان درويش جلّون

p { font-size: 14px; }

أ.د. عدنان بن درويش جلّون (رحمه الله وغفر له)

مثال على النص باتجاه من اليمين إلى اليسار .my-section p { font-size: 40px; }

80 عامًا من العطاء30 منها في معيّة أمراء الشباب والرياضة

سيرة وحكاية

كَتَبَ هذه السيرة أ.د. عدنان درويش جلّون بنفسه قبل وفاته (رحمه الله) ونُقِلت هنا بصيغة المتكلّم

     الهدف من كتابة هذه السيرة هو الرجوع بتاريخ وسيرة المؤلف وحياته ونشاطاته وجولاته في مجتمع المملكة العربيّة السعوديّة، وبعض الدول الآسيويّة والأفريقيّة والأوربيّة والأميركتين. وكذا رحلاته في سابق أيامه، حُلوها ومُرّها، ونجاحاته وفشله، وحياته وظروفه التي عاشها كإنسان، وطموحاته التي خيّم عليها عطاء وجهود أولوا العِلم والمعرفة والتقدير والقدرة على دعم كل من يكون قريبًا أو منهمكًا في مشاريع الإبداع والنجاح الموصل لبناء ودعم الإنسان السعودي في شتّى المجالات محليًّا ودوليًّا.

     وإذا كان الايجاز سيد قراءات ومجمل قول وقصص الحكواتيّة، المعتمدة على تلاوات أو قراءات الحكواتي جالسًا على كرسيّه أو في برجه العاجي، يقرأ وينشد كل ليلة من سيرة حبيسة صدور الرجال، أو السطور النادرة من الكتب، بما يعجب مستمعيه كل ليلة. 

     واليوم خرجت على طريق الحكواتي، مكانه وحكاياته لأكون أكثر وضوحًا وشهودًا بواقع ما عشته خلال 80 عامًا من حياتي، التي نهجت الغوص فيها خلال فترة العشرة السنين الأولى، لتكون بداية انطلاق محدّدة ومقنّنة في المدينة المنوّرة .

مقدّمة

     كنت شابًّا أبى إلا أن يحمل عصا مشاق الحياة في سن السابعة.

     انخرطت مرافقًا كُتُبي وكراريسي والدَزَقة في ميدان مهنة صناعة عُقُل القَصَب التي اشتهرت بها وبمعلميها المدينة المنوّرة لما يزيد عن أربعة قرون، ثم امتطيت جواد بقيّة رحلاتي العلميّة إلى الإسكندريّة للدراسة والحصول على بكالوريوس التربيّة الرياضيّة.

     وافت المنيّة والدي الشيخ درويش بن عبد النبي جلّون (رحمه الله) ودُفن في الإسكندريّة، فَعَزّ عليّ الفُراق، ولكن العودة لأرض الوطن، كانت أمرًا لا بُدّ منه.

     عدتُ إلى المدينة المنوّرة، وعَمِلتُ في مجالَي التدريس والتوجيه في التربية الرياضيّة، وقمتُ ببعض الإنجازات في النشاط الرياضي التي عرفها التعليم لأول مرة فيها.

     وفجأة حمل لي طائر السعد رسالة شفهيّة من صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل [1]، أمدّ الله في عمره، يدعوني للعمل بالرياض في مجال الرياضة والشباب في الإدارة العامة لرعاية الشباب.

     مرّت أيام قليلة، جمّعت فيها آمالي وأمانيَّ وطموحاتي، ثم انتقلت إلى مدينة الرياض.

     رحّب سمو الأمير بي، وسمعت منه ما يبشّر بالخير والنماء للبلاد والشباب، فقلت في نفسي، “وجدت ضالّتي“، حيث أُوكَلَ سموّه لي أول المهام رئاسة قسم المنشآت والمعسكرات“. إذ بدأتُ القسم بنفسي، وتركته مطورًا بعدد 21  موظفًا.

     غادرتُ، في عام 1395هـ، في بعثة دراسيّة إلى بريطانيا لاستكمال الدراسات العليـا، وعُدتُ عام 1400هـ وقد تم تطوير هذا القسم إلى مسمّى الإدارة الهندسيّة.

____________

[1]– على يديّ خبيريّ سموّه، الأستاذ عرفان أوبري، والأستاذ رشيد دشان، مُزكياني للعمل بين يديّ سمو الأمير خالد الفيصل، أمدَّ الله في عمره؛ المدير العام لرعاية الشباب في ذلك الوقت.

الدراسة في مدرسة العلوم الشرعيّة

     وكعادة أهل المدينة المنوّرة تعليم أبناءهم في سن السابعة أو الثامنة، أدخلني والدي (رحمه الله) في كتّاب سيدي مالك، نهاية سوق القفّاصة من جهة الحماطة، درست في الكُتاب لمدة أسبوع تقريبًا، ثم سجلني والدي (رحمه الله) في مدرسة العلوم الشرعيّة، ووصّى عليّ الشيخ سليمان سمّان (رحمه الله)، وكنت سعيد بهذه التوصية.

     ولما رأيت وعشت شدّته في التعامل مع الطلّاب بشكل عام، لجأت لمركب الصبر، حتى تخرّجت مؤدّبًا سليمًا معافًا من المدرسة ومن خيزرانة الشيخ سليمان سمان (رحمه الله).

     خلال هذه الفترة، انحصر عملي بين (1) الدراسة، (2) احضار البرسيم وحلب الغنمة (كما يتّضح في الصورة أدناه)، (3) العمل يوميًّا بين صلاتي العصر والمغرب في صناعة عُقُل الٌقصب، و(4) المساهمة في خدمة العائلة.

[2] – (من الأرشيف الخاص) 

     شعر والدي (رحمه الله) بأنّي على قدر من مسايرة الحياة وما بها من طيب وغيره، وقادني إلى دكّان الشيخ عبيد خلف الله (رحمه الله)، لتعلّم صنعة الخياطة. ثم تدخّل سيدي إحسان بن عابدين سندي (ابن خالي رحمهما الله) ليقودني إلى دكّان الشيخ إبراهيم دبّور، ثم بعدها إلى دكّان الشيخ أمين صالح برّي (رحمهما الله) لتعلّم مهنة صناعة عُقُل القَصَب التي اشتهر بها أهل المدينة المنوّرة ومكّة المكرمة، وللحديث عن الحياة التعليميّة بقية.

الفصل الأول

بداية المشوار من المدينة المنوّرة

     كل من عاش على أرض هذا الوطن كان عاشقًا للرياضة والترويح وبرامجهما المختلفة، في البيت، والحوش، والميدان، ثم الملعب بمفهومه المعاصر. وعَشِقَ كل من وُلِد أو عاش في ربوع المدينة المنوّرة، وانتسب إلى سيّد الرياضيين في الإسلام، سيدنا محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلّم).

     ولعلّي أكون الأكثر حظًّا في الانتساب لهذه النشاطات منذ الصغر، كيف لا، وأنا أنتسب لخالي فريد بن عمر صالح سندي (رحمه الله). الذي كان البطل والمدرّب الرياضي في المدرسة العسكريّة بالطائف، والذي أدخل رياضة رفع الأثقال في المملكة العربيّة السعوديّة عام 1373/1372هـ. ودَرَّبَ وعَلَّم مِئات من جنود المدرسة العسكريّة بالطائف حين كان المدرب الرياضي بها. وذلك إضافةً إلى تميّزه بممارسة العشرات من الألعاب الرياضيّة الفرديّة، ومنها: رفع الأثقال، والملاكمة، وكرة القدم، وتدريبات اللياقة البدنيّة، كما يتّضح في الصورتين (1) و(2) والتي هي من إهداء ابنه الدكتور المهندس زهير بن فريد سندي (رحم الله والديه).

     من هنا عشقت الرياضة، خاصّةً بعد أن بَعَثَ لي (رحمه الله)، وعمري عشرة سنوات تقريبًا حينها، بِكُرِة قدمٍ مكوّنة من جزئين: الخارجي جلد، ولاستك من الداخل. كما زاد حماسي عندما شاهدتُ مجموعة أدوات الرياضة الحديثة التي أحضرها (رحمه الله) من أمريكا والتي أهداها لإخوانه (خالَيّ حمزة سندي وخالي عادل سندي أمدّ الله في عمرهما).

     لم تُتاح لي الفرصة لممارسة كرة القدم لانشغالي ولظروف تَعَلُّم حرفة حتى سن 18، إذ كان مطلب كل أب وأسرة مدينيّة.

     ومررت يومًا أمام مخطّط بن محفوظ (رحمه الله) في آخر طريق قباء النازل بالمدينة المنوّرة. فوجدّت ازدحامًا على هيئة مستطيل يتدافع الناس على الاصطفاف فيه. فإذا به مباراة كرة قد ما بين فريقين، لا أذكر اسمهما. وحاولت استراق مشاهدة ما يمكن أن اشاهده، وعيناي تتربّصان ألا يراني أحد من معارف والدي (رحمه الله)، وإلّا كما هو المعروف؛ فَرِشَة معتبرة. فاكتفيت بالنظرة، وتابعت طريقي، ولكن كان يَرِنُّ في أذني اسم “أبو كَلَبْشَة” أحد لاعبي الفريقين، على مر الزمان. بُني على نفس الأرض مجمّع الدوائر الحكوميّة لاحقًا، ثم هُدم. ولا زال حتى اليوم ميدانًا خاليًا.

     مع عِشق أهل المدينة المنوّرة وحرصهم على أن يتعلّم أبناؤهم صَنْعةً ما، أخذني والدي (رحمه الله) إلى الشيخ عبيد خلف الله ليعلمني صنعة الخياطة؛ وقد تعلّمت صناعة عراوي أزارير الجلابيّة (الثوب). وبعد أسبوعين توقفت عن الاستمرار في تَعَلُّمَ هذه المهنة بسبب بطء مراحل التَعَلُّم. 

     ثم أخذني ابن خالي إحسان عابدين سندي إلى الشيخ إبراهيم دبّور (رحمهما الله) ليُعلّمني صنعة عُقُل القَصَب، التي كانت في عِزِّها ومجدها وشهرتها في العهد السعودي والعالم الإسلامي.  

     تعلّمت صناعة عُقُل الحرير للصغار، وبعد سنة تقريبًا، التزمت البيت، وتوقفت عن الذهابِ للدُكّان، وبقيت في المنزل 3 أيام، بعدها جاءنا مرَّةً أخرى ابن خالي إحسان (رحمه الله)، وأخذني (بالأمر) إلى الشيخ أمين صالح برّي (رحمه الله)، ليُعلمني هذه الصناعة، واستمريت أعمل عنده لمدة 10 سنوات تقريبًا.

     كنت الصَبِي الوحيد الذي أجدت عنده صناعة عدد كبير من أنواع عُقُل القصب والحرير، للصغار والكبار. وقد زاد من شُهرتي في هذه المهنة، صناعة العِقال الشِكِيلي.

     وللمزيد عن خبرة العشر سنوات، انظر كتابي صناعة عُقُل القَصَب بالمدينة المنوّرة ومكّة المكرمة، في العهد السعودي، الذي ألَّفْتُهُ ردًّا لجميل من علموني هذه المهنة.

 خلال ممارستي هذه المهنة، كنت أدرس في المعهد العلمي التابع لوزارة المعارف. وفي دخولي للمعهد قصة حلوة؛

     إذ ذهبت بأوراقي إلى مدرسة ثانويّة طيبة، وقابلت مراقبها الأستاذ محمود إسكندراني (رحمه الله) للتسجيل بالمدرسة، فرفض. فقلت له: ان خالي عادل سندي، وابني خالي جميل (رحمه الله) وسامي سندي وزملائي كلهم سجّلوا بالمدرسة، وأريد أن أكون معهم. فقال لي (رحمه الله): “روح يا ولدي وسجِّل في المعهد العلمي أحسن لك، يعطوك كل شهر 80 ريال”، وتوقّف عن بقيّة الحديث، وكأنّه يعرف مدى ضيقة اليد والحياة والمعيشة التي كنّا نعيشها في تلك الأيام. جزاك الله عنّي كل الخير يا أستاذنا العزيز. فأهل المدينة المنوّرة كانوا، ولا زالوا متعاونين متعارفين بأحوال بعضهم البعض، مُسدون النصائح للصغار والكبار كلما دعت الحاجة.

     سجّلت في المعهد العلمي التابع لوزارة المعارف، ودرست حتّى نجحت من السنة الرابعة إلى الخامسة وهي الأخيرة في المعهد. وللظروف الاقتصاديّة، تركت الدراسة بالمعهد، وسجلت مع زميليّ غالي عبد الجبار وأحمد سالم بنظام طلاب المنازل، وأكمت دراستي ليلًا مع الحفاظ على ممارسة مهنة عُقُل القَصَب ما بين صلاتيّ عصر ومغرب كل يوم من أيام البصارة [3]. ومن الصباح إلى ما شاء الله ليلًا في أيام موسم الحج.

     رحم الله زميلي الأخ سعيد محمد عزوني، إذ كان يَمُدّني عصر كل خميس (طوال العام الدراسي) بجميع ما كتبوه، ثم أنقله صباح ومساء كل جمعة وأرد له الكراريس، وأذاكر ما كتبت طوال الأسبوع، ومن الصباح إلى ما شاء الله ليلًا في أيام موسم الحج.

     أكملت دراستي ليلًا مع الحفاظ على ممارسة مهنة عُقُل القَصَب، والحمد لله أن حقّق أحلامنا جميعًا وحصلنا على شهادة تمام الدراسة الثانويّة للمعاهد العلميّة. وتَخَرَّجت مع زميليّ في المعهد الأستاذ أحمد سالم، الأستاذ غالي عبد الجبار في عام 1379هـ.

     ثم توظّفت نفس العام في إدارة التعليم، وأصبحت مجريات الحياة الوظيفة الجديدة والاستمرار في صناعة عُقُل القَصَب. ووُفِّقتُ في الابتعاث للدراسة إلى مصر، وعدت بشهادة البكالوريوس في التربية البدنيّة، وانتقلت لرعاية الشباب بالرياض، وابتعثت إلى بريطانيا وعدت بدرجة الدكتوراه في الرماية بالسهام من جامعة مانشستر، مرت ستون عامًا مر السحاب.

     أرسلت لأستاذ أحمد سالم برقيّة مهنئًا بنجاحنا نحن الثلاثة وأرسل لي ردًا بالتهنئة احتفظت بصورة منها على أن نلتقي في أقرب وقت، ثم افترقنا من حينها، وكما يقول المثل الشائع: مسير الحيّ يتلاقى.

     وتلاقينا أنا والأستاذ أحمد سالم. يوم الأربعاء 1440/8/24هـ، بعد قرابة 60 عامًا، عندما كُنتُ في مراجعة لعيادة الباطنة في قسم السكَّر بمستشفى الملك فهد بالمدينة المنوّرة (صورة اللقاء).

     توضح، هذه الصورة النادرة، للمبنى الرئيسي الداخلي للمعهد العلمي السعودي وأدوار المبنى الأربعة في شارع السحيمي بالمدينة المنوّرة، وقد كان فصلنا الدراسي في السنة النهائيّة في الدور الرابع. أما غرف الإدارة كانت في الدور الثالث من المعهد.

 تلقينا العلم فيه، ومشينا في أسيابه الطويلة، ولعبنا في ساحة الملعب الملحقة به، وقضينا أجمل الأوقات وشهدنا أجمل المسرحيّات على مسرح المعهد. ذكريات لا تنسى طوال السنوات خمس.

     وهذه صورة لحفل المعهد العلمي السعودي عام 1379هـ بالمدينة المنوّرة، جمعت ما بين كبار رجال الدولة ورجال التعليم بالمدينة المنوّرة، وخلفهم لفيف من طلاب المعهد المشاركين في الحفل.

____________

[3] لبصارة: الفترة التي ما بين موسم الحج إلى موسم الحج التالي في العام التالي.

[4] الصورة إهداء الأستاذ مدني عبد الكريم دادا (رحمه الله).

     بعد حصولي على شهادة الثانويّة، صدرت الموافقة برقم 3234 وتاريخ 1379/11/1هـ على تعييني في وظيفة مأمور ملفات بالمرتبة الثامنة (400ريال شهريًا)، في قسم التفتيش بإدارة التعليم بالمدينة المنوّرة، بإشراف الشيخ صالح إخميمي، وتبادل على رئاسة القسم كلًا من الأستاذ حمود مسَلّم ثم الأستاذ محمد صديق ميمني (رحمهما الله) إضافة إلى عملي كمعلّم.

 أسّس مدير إدارة التعليم بالمدينة المنوّرة، الشيخ عبد العزيز محمد الربيع (رحمه الله)، نادي التعليم في عام 1379هـ لينتسب إليه موظفو إدارة التعليم.

     وبحكم وظيفتي، انتسبت للنادي، وكان مدرب النادي الأستاذ بهرام، (مصري الجنسية). وتَدَرَّبت مع فرق كرة القدم لمدة شهرين أو ثلاثة تقريبًا في معلب التعليم كميدان للتدريب، الذي أهدى أرضه شاعر المدينة المنورة الشيخ عبد الرحمن رقّه (رحمه الله)، في حفل رسمي حضره جلالة الملك سعود بن عبدالعزيز رحمه الله، لأهالي المدينة المنوّرة، فأطلقوا عليه اسم ملعب التعليم.

     في أحد الأيام وفي مكتب النسخ -الطباعة-، وقفت إلى حوار الأخوين، حسن وحسين جوادي، وأمامهما الأستاذ برهام، مدرب النادي، حيث دار حديث ما بين الأستاذ برهام وحسين جوادي لتشجيعه على دخول معهد التربية البدنيّة بالقاهرة، فتدخلت في الحديث وقلت: وأنا سأذهب إلى نفس المعهد، فقال لي الأستاذ برهام: إمشي يا صعلوك، ما يقبلوك. فتأثرت قليًلًا، بسبب نحول جسمي ولكن زاد إصراري،     

     وجاء اليوم الموعود، وأعلنت إدارة رعاية الشباب بوزارة المعارف برئاسة الأستاذ عبد الرحمن التونسي (رحمه الله)، عن برنامج ومسابقة لاختيار المبتعثين لدرجة البكالوريوس في مجال التربية الرياضيّة.   

     أعدّدت شهاداتي ومؤهلاتي وفي مقدمتها شهادة تعريف بعضويتي ومشاركتي في نشاط نادي التعليم في المدينة المنوّرة. ثم ذهبت وشاركت في المسابقة ونجحت وتم اختياري ضمن المبتعثين.

شاركت في مسابقة ميدانيّة لاختيار المبتعثين للقاهرة لدراسة التربية الرياضيّة. قم رجعت للمدينة مستبشرًا بفرحتين؛ القبول والسفر للقاهرة، واجهتني مشكلتان: مشكلة عدم رضا والدي الشيخ درويش جلّون (رحمه الله)، فبحثت عن حلٍ لها مع أخي وابن خالي جميل عابدي سندي (رحمهما الله). ووجدنا الحلّ عند الأستاذ (الدكتور حاليًا) أحمد مطبّقاني، حيث اقترح علىّ إقناع الوالد (رحمه الله) أنني إن لم أسافر للبعثة فعليّ أن أدفع مبلغ 3000 ريال تعويضًا للوزارة، ووعدته بأنّي سأرتِّب وضعي في القاهرة، ثم أستدعيه ووالدتي وأخي عصام (8 سنوات) (رحمه الله)، وأخي عزالدين (6 سنوات)، للإقامة معي في مكان الدراسة ولمدّتها، وأن أكون المسؤول عن كل شيء، فاقتنع ووافق سيدي الوالد (رحمه الله) على مضض.

     قضينا قرابة 5 سنوات على أسر حال، وقبل تخرّجي بسنة وعدة شهور، توفّي والدي (رحمه الله) ودُفِنَ في مقبرة القرافة بجوار كليّة الهندسة بالإسكندريّة عام 1383هـ.

     وكان يوم تخرجي وحصولي على درجة البكالوريوس في التربية الرياضيّة، يومًا مشهودًا استقبلناه بفرحة وقلب مكسور، لفقدان سيدي الوالد (رحمه الله)، الذي عاش الغُربتين؛ غربة سفر برلك إلى تركيا وسوريا، ثم غُربة الاسكندريّة. اللهم ارحم والدي، واغفر له.

المعهد العالي للتربية البدنيّة للبنين بالإسكندريّة (1380-1385هـ)

     بعد مرور شهرين من المتابعة، تم توجيهي للدراسة في المعهد العالي للتربية الرياضيّة للبنين بالإسكندريّة. درست ومارست في المعهد العديد من الألعاب الرياضيّة (الفرديّة والجماعيّة) وغيرها من العلوم التربويّة، إضافة إلى الدراسة والتدريب في مجالات التربيّة العسكريّة، بواقع 4 ساعات صباح كل يوم خميس ولمدة سنتين متتاليتين.

وتخرجت عام 1358هـ، حاصلًا على درجة البكالوريوس في التربية الرياضيّة، والتخصّص في لعبتين فرديتين هما: الملاكمة والكرة الطائرة.

المعهد الأولمبي للقادة الرياضيين بالإسكندريّة (1385هـ):

 خلال دراستي في المرحلة الأخيرة (السنة الرابعة) لمرحلة البكالوريوس، علمت بمعهد القادة الرياضيين الذي يمنح درجة الدبلوم في التدريب. وكانت الدراسة مسائيّة ومدّتها سنة دراسيّة،

انتسبت للمعهد وحصلت على دبلوم التدريب في الكرة الطائرة. وكنت أول طالب سعودي يحصل على هذه الدرجة في ذلك العام.

حكم درجة ثانية في الكرة الطائرة:

اشتركت في سنة التخرّج، عام 1385هـ، في برنامج دورت تدريبيّة لحكّام الكرة الطائرة بالإسكندريّة. ونجحت في الدورة في حصولي على حكم كرة الطائرة من الدرجة الثالثة، وقمت بتحكيم أول مباراة بين فريقين، كانت مكافأتي مبلغ 15 قرشًا، فرحت لنجاحي في قيادة المباراة، ولحصولي على شهادة التحكيم، وأعتقد بأنّي كنت أول حكم سعودي يحصل على هذه الدرجة.

     استقر بي المقام في الإسكندريّة، مع والدي ووالدتي وأخي عصام (رحمهم الله) وأخي عزالدين. كنا جميعًا أسرة صغيرة تعيش في بحبوحة، يغطيها مبلغ 44 جنيهًا مصريًّا شهريًّا، إضافة إلى نصف راتبي الوظيفي وقدره 200 ريال سعودي تقريبًا.

زارنا على فترات متقطّعة عدد من الأهل والأقارب منهم: العم السيد عثمان المدني (رحمه الله) ووالدته وخالتي (زوجته) وابنه طلعت، وابنته دلال، والشيخ عبدالله كردي (رحمه الله)، والأخ مأمون عبد الغني برّي، أمد الله في عمره. والأخ مدني عبد الكريم دادا (رحمه الله) وزوجته (ابنة خالي) وابنه وليد، والأخوين حسن وحامد حجّار، ووالدتهما واختهما (رحمهما الله جميهًا)، وأخي وابن خالي الغالي جميل عابدين سندي (رحمهما الله)، والشيخ سيدي صالح سندي (ابن عم والدتي) (رحمهما الله). وكان ابنه ياسين سندي برفقته في زيارة للإسكندريّة. والشيخ صالح إخميمي (رحمه الله)، والدكتور أنور جبرتي.

     وإضافةً إلى مهاراتي في صناعة عُقُل القَصَب بأنواعها المختلفة. حاولت اكتساب مهارات أخرى وأنا في الغربة، ووحشة الفراغ، منها:

شهرتي في صُنع/عمل المِطَبَّق[4]

     لم سيبق لي أن جرّبت إعداده أو صناعته، وفي عام 1383/1382هـ مررت ذات يوم أمام دكّان أحد الفطاطرجيّة (صانعي الفطير، باللهجة المصريّة). أمعنت النظر، وتعلّمت عن طريق المشاهدة، ثم قمت بالتجربة. وبعد محاورات قليلة، أصبحت أجيد صنع المِطَّبَقْ.

     ولما استحسن أحد أصدقائي في الإسكندريّة بطعم المطبّق، دعاني لحفل يوم ميلاده في بيتهم بمنطقة بحري، المشهورة بسكانها الطيبين. كما طلب منّي أن أصنع كم حبّة مطبّق، عرفت عدد المغرومين، فاشترطت عليه، أنا أتكفّل بكل ما يحتاجه المطبّق من عمل وتجهيز حتى يكون على السُفرة، وأنتم عليكم التنظيف والغسيل بعدي!. بدأت الحفلة، وقدّمت لهم حوالي 27 حبّة مطبّق، أكلوها وأكلوا أصابعهم وراها.

     ومن ذلك الوقت، اشتُهِرتُ بصنع المطبّق حتى يومنا هذا. إذ أقوم بعمل المطبّق كلما طلبوه الأولاد والأحفاد، والحمد لله.

____________

[4] من أجمل المعجّنات المحشوّة باللحم المفروم وبعض الأبازير.

تَعَلُّم الضرب على الآلة الكاتبة

     في عام 1380هـ، وفي أول صيف بعد الدراسة بالمعهد، سجّلت في معهد أو مدرسة (بجوار سينما مترو الإسكندرية، بشارع سعد زغلول)، ولمدة شهر. وبعد دفع الرسوم، تدرّبت بحماس واجتهاد واستطعت استخدام الأصابع العشرة في الطباعة على الآلة الكاتبة.

     وبعد 4 سنين، أي في عام 1384هـ، طُلِبَ من جميع طلاب المستوى الرابع إعداد بحث عن مقرر اللعبة الفرديّة، وبحث آخر للعبة التخصّص الجماعيّة. وبينما كان بقيّة الزملاء يبحثون عن ناسخ لكتابة بحوثهم، كنت الوحيد، والأكثر حظَّا، من زملائي إذ أنّي قُمتُ بكتابة وطباعة البحثيين بنفسي.

     كان هذين البحثين (كما يظهران في الصور) أول عمل كامل لي من حيث كتابة البحث، وطباعته على الآلة الكاتبة، لتقديمه كدراسة مكمّلة لنهاية مرحلة البكالوريوس في التربية الرياضيّة بالإسكندرية، مصر عام 1383هـ.

تَعَلُّم العزف على العود والقانون

     من محبّتي في الموسيقى، راودتني نفسي في تعلم الضرب على العود، أي العزف على العود. وفي صيف عام 1380هـ، اشتركت في معهد لتعليم الموسيقى في منطقة المنشيّة، وسط الإسكندريّة. واشتريت عود بمبلغ 3 أو 4 جُنيات، أيامها كان الجنيه المصري يساوي 8 ريالات سعوديّة. وتدرّبت لمدّة 3 أسابيع بدأت في تعلّم وحفظ المقامات التي تعتمد على: (دو، ري، مي، فا، صول، لا، سي، دو) وهي أول مراحل تعلّم السُلَّم الموسيقي. وخلال الأسبوع الثالث، حضر لزيارتنا العم الشيخ عثمان المدني، زوج خالتي فريدة بن عمر سندي (رحمهم الله)، فتوقّفت عن التَعَلُّمَ، لرعاية الضيوف وفسحتهم في الإسكندريّة والقاهرة. وهكذا لم تنجح، بل تبخَرت، فكرة تَعَلُّمَ العزف على العود أو القانون.

1- عُقدة السباحة

     في عام 1383هـ، نزلنا شاطئ أمام البحر في منطقة كليوبترا الصغيرة بالإسكندريّة. وتقدّمونا زملاءنا: الأستاذ حامد حجّار، وأخيه الأستاذ حسن حجّار، وأخي عصام (رحمهم الله) لدخول البحر بينما كنت عند أول البحر، وبدأت أنادي على أخي الذي يجيد السباحة ويتقدم داخل البحر، وأنا أنادي بأعلى صوتي (ارجع يا عصام.. ارجع يا عصام) خوفًا عليه.

     وبينما أنا أتقدّم ببطء، لم أشعر بنفسي إلا وأنا داخل الماء وبدأت أشعر بالغرق والظُلمة في وقت سريع. وسُرعان ما هداني ربي لأن أقوم بعمليّة الطفو التي تعلّمناها أثناء تدريب السباحة في المعهد، وما هي إلا ثوانٍ، لأجد نفسي واقفًا على قدماي في نفس المكان. فتراجَعْتُ ببطء شديد متّجهًا إلى رجل الإسعاف المختص وناديته وشرحت له ما حدث، وهو متربِّعٌ على كرسيه العالي يُراقب الشاطئ. ورَدَّ عليّ إيه إليّ ودّاك من هناك، المنطقة دي كلها أبيار (آبار) ارجع. ولم استمع له، ولم أرجع، بل خرجت من الشاطئ ولم أعد للسباحة فيه، فقد حصلت لي عقدة من السباحة.

     لذلك فإنّي لا أسبح أو أعوم إلّا إذا كان مجال الماء أقلّ من مستوى أنفي لأتنفس بِيُسرٍ وسهولة، وإلا فلا.

2- اليأس

     صدق سيّدنا علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) حيث قال:

لو كانَ الفقرُ رَجُلًا لقتلته“.

     ذات يوم من عام 1382هـ، ضاقت بي الدُنيا لدرجة لا يحتملها إنسان؛ إذ وضعت يدي في جيبي، فَلَم أجد سوى بضع قروش لا تكفي لمصروف المدرسة لأخَوَيّ عصام وعز الدين. حيث سجلّتهم للدراسة في مدرسة الشهيد عباس الأعصر، بشارع بور سعيد     بالإسكندريّة.

     وكُنتُ في ذلك اليوم في محطة الرمل (القطار)، فاقتربت من بائع مرطبات لأشتري قارورة كوكاكولا أو أي شيء لأبُلَ ريقي، فتردّدت، وقلت في نفسي: بلاش يا شيخ، خَلِّي القروش مصروف بُكْرَه لإخوانك. وانسحبت متّجهًا إلى البيت مستعملًا الأبونية (بطاقة الترام). 

     حاولت الاتصال بأحد زملائي الثلاثة، الذين أعتمد عليهم لاستدانة أي مبلغ، فلم أجد أحدًا منهم. وصلت البيت ولم أصعد، واتجهت إلى شاطئ البحر أمام البيت، وجلست على أحد الكراسي أُفَكِّرُ ما سأفعل غدًا عندما يطلبني أخَوَيّ مصروف المدرسة، وهو عبارة عن 4 قروش أو أكثر مصروف المواصلات وبعض المرطبات في المدرسة.

     بدأ الصراع، النفسي خاصّة، وبدأت المفاوضات؛ فشيطان يَشُدّني قائلًا: روح يا شيخ، بلا مشاكل، إرم نفسك في البحر وارتاح، وكفاية غلب. بينما داعي الخير يردد: حرام عليك، طيب إيش ذنب أمك، وأبوك، واخوانك.. في الشقة فوق في العمارة، تتركهم لمين وهكذا، تنازعني الشيطان وحاول أن يكسب المعركة وينتصر على عامل الخير، ولكن الله كان أرحم، فما شعرت إلا وأنا أبكي والدموع تنهمر بلا هوادة.

     مضت ساعة تقريبًا، وبدأ الليل يُدلي بستاره، فاستعذت بالله، وصعدت للبيت مكسورَ الجناحِ والخاطر. سألتني الوالدة (رحمها الله) ماذا بك؟ قلت: لا شيء، أتأكل؟ قلت لا شيء أريد أن أنام. مضت ليلة لا أدري ولا أحسَ بسوادها من بياضها، ولكن فكرة الانتحار لا زالت تعمل على الهامش للبحث عن حلٍ شامل.

     استيقظت كالعادة في الصباح للذهاب إلى المعهد، ولبست ملابسي، ومددّت يدي في جيبي لأكتشف أن فيه 5 جنيهات، لا أدري كيف دخلت إليه. لمحتني الوالدة (رحمه الله)، فقالت: ما بك، قلت لها: لا زلتِ تبحثين في جيبي لتعرفي إذا شربت دخان أو لا؟، قالت: لا، لكنّي دوّرت في جيبك وما لقيت أي فلوس، فحطّيتلّك هذه الجنيهات الخمسة. دعوت لها، ولم أروِ ما حدث لها، كي لا أزيد من همّها همًّا.

رحمك الله يا أمي، انقذتيني من براثن الشيطان، وقَوَيِّت عزيمتي، وجعلت منّي رجلًا أشدُّ حُلمًا وصبرًا وإيمانًا.

3- تهافت طلبات وعروض الزواج

        رغبت أي أم البحث عن عروس لابنها، رغبةٌ لا تقدَّر لها بثمن. وفي كل يوم كانت والدتي تخرج لزيارة أحد تعود وتقول: والله البنت فلانة بنت فلانة، حلوة و… أزوجك هي؟ فأقول: ليس الآن، خليها بعدين، شُوَيَّة.

     أصبح عدد العرايس المقترحات للزواج 3، وفي الإسكندريّة 2. أحداهن تم الحديث بين والدي ووالدها وقال له: قول انت موافقك، وأنا أرسلها لكم بثيابها من المدينة (المنوّرة). لم تتم الموافقة، ولم يتم الزواج، وكال ما في الأمر هو التريّث حتى العودة من البعثة.

     أما طلب الزواجة (الخطبة) الثانية، فقد كانت عندما تعرفّنا على عائلة طيّبة، فرضخت لأمر الوالدة ووافقتُ على الخطبة، وتمّت الرؤية الشرعيّة. وَعَدَنا أهلها بالرد خلال أيام، ولما طال الانتظار ولم يأتِ الرد، كان علينا الصبر قبل انهاء أي شيء. وبعد شهرين أو ثلاثة، علمنا بأن الخطيبة هربت مع ابن عمِّها إلى القاهرة وتزوجا. فحمدتُ الله على كل شيء وكرهت، بل نسيت، الموضوع حتى العودة للمملكة.

4- وفاة والدي وجدّي (لأمّي) في أسبوع واحد

    كان يوم وليلة وفاة سيدي الوالد درويش بن عبد الغني بن درويش جلّون (رحمه الله) عصيبة. فقد وصلتنا برقيّة من المدينة المنوّرة تفيد بوفاة سيدي الشيخ عمر بن صالح سندي (رحمه الله)، فعرضتُ البرقيّة على الوالد، واقترح أن نؤجِّل الموضوع حتى يتهيأ ويتعافى ويبلغها بنفسه، إذ أن وقع محتوى البرقيّة سيكون عليها شديدًا.

     وفي نفس الأسبوع، وفي يوم 1384/7/3هـ، شعر الوالد بألم شديد في الصدر، فاتصلت بصديقي فاروق علاء الدين، الذي حضر وأحضر الطبيب الذي أصرّ على نقل الوالد للمستشفى. وصلنا المستشفى وبدأت الإسعافات الأوليّة، وبدأت تتحسّن صحّة الوالد، طمأننا الطبيب عليه، وطلب منّا مغادرة المستشفى حيث انتهت مواعيد الزيارة. عُدتُ للبيت وطمأنت الوالدة، على أمل الزيارة في اليوم التالي. وفي حدود الساعة 6 صباح يوم 1384/7/4هـ اتصلت بنا جارتنا، السيّدة أم وحيد، وقالت: كلّموا المستشفى. فأسرعت واتصلت لأعرف سبب المكالمة، لكن أكثر من صوت حولي ارتفع، ويقول: فيه إيه.. حصل إليه؟ في إيه؟ وتُضيف الوالدة: اشبو أبوك … إيش حَصَلُّو؟

     لم أستطع الرد عليهم، لأن الحديث السريع مع الممرّضة (على خط الهاتف) كان أشد وقعًا عليّ، سألتني: من أنت؟ قلت: ابنه، فقالت: البقيّة في حياتك، احضر مع جواز سفر والدك لأنه توفي. لدقائق أصبحت جسمًا بلا روح ولا إحساس ولا حركة من هول الموقف. ماذا أفعل؟ ماذا أقول للولدة؟

     حاولت تهدأت نَفْسي في لحظات، وقلت لمن حولي: اتصلت المستشفى من أجل إعطائهم رقم جواز الوالد وبعض أوراق الثبوتية، وتحرّكت بسرعة. أبلغتُ من استطعت من أقرب زملائي وذهبتُ للمستشفى لأرى الوالد (رحمه الله) قد سلّم الروحَ الغالية وسُجَّىَ البياض.

     طلبنا إنهاء إجراءات المستشفى للإسراع بدفنه، فقال الطبيب: لا بد من القيام بتشريح الجثة لمعرة سبب الوفاة. رفضتُ التشريح، فطلبوا منّي احضار إقرار بذلك وموافقة الجهة المختصة. حصلنا على الموافقة من قسم الشرطة بباب شرقي.

     بدأت دعوات الذهاب بالجثّة للبيت لتكملة إجراءات الغُسل والكفن. وكنت أعرِفُ مدى الحالة العصبيّة للوالدة، وقد تموت بسبب هذه الصدمة. ففضّلت نقل الجثة إلى مكان مخصّص لذلك، وتم في نفس الوقت تجهيز وتأمين القبر في مقبرة القرافة بالإسكندرية. وقبل إنهاء التكفين، قبّلتُ قدمي الوالد (رحمه الله) ورأسَهُ وطلبت منه السماح. ونقلناه للمقبرة حيث تم غَسُله. فانحنيت على قدميه أقبلهما، سائلًا المولى عز وجل له الرحمة والغفران. وكُفِّنَ، وصُلِّيَ عليه ودُفِن في المقبرة، بعيدًا عن الوطن والأهل والأحبّة.

     كان برفقتي زملائي الذين واسوني وهم: كامل محمد قصّاب (سوري) رحمه الله، وسمير عثمان محمد السعد رحمه الله، وفاروق علاء الدين الطنطاوي (مصري) ومحمد قريطم (مصري) أمدّ الله في عمرهم.

     أما أنا فقد التزمت الصمت وكنت على حذرٍ من انفجار الوالدة أو حدوث مكروه لها. وخلال تعزية الوالد كانت تسأل: فين أبوك؟ ماذا حصل لأبوك؟ وبعد العصبيّة والبكاء وكثرة الأسئلة، ردّ عليها الأخ كامل قصّاب (رحمه الله) وقال: البقية في حياتك يا حجة، ادعي لو بالرحمة. أما أنا فقد تجمّدَت أوصالي وأحاسيسي، وحُبِسَت دموعي قرابة عامين، حتى خُشِيَ عليّ من أثر ذلك. حضر الأحبّة من القاهرة لعزائنا، وأذكر منهم: الأخ عبدالله محمد الخريجي ومرافقه، الأخ سعود برّي، الأخ إبراهيم زُللي، الأخ حامد منصور حجّار وغيرهم.

رحمك الله يا أبي، فقد عانيتَ الغُربَةَ في سفربرلك، جاهدتَ وصبرتَ وقاسيتَ من أجل لقمة العيش، من أجلي وإخواني ومن أجل آل جلون جميعًا. اللهم يا رب الأرباب، أسألك أن تسامحني عن كل تقصير في حق والدي ووالدتي (رحمهما الله).

     آه يا والدي الحبيب الغالي، كان حلم أملي أن يمدّ الله في عمرك وتعيش لبضع شهور أو سنين لترى ما أصبحنا وأصْبَحتُ عليه اليوم، ومن حولي زوجتي الوفيّة “وداد بنت محمد صادق السقا، التي منَّ الله على كلينا بأن تكون بضعة الشهور القادمة خاتمة عامنا الخمسين، وأبنائي عمر، وعبدالعزيز، وبناتي رنا، ورولا، وسميّة، ورفيدة.

5- يوم تَخَرُّجي وذكرى الحبايب:

     بعد عام ونصف من وفاة والدي (رحمه الله)، ودفنه في الإسكندريّة، ودّعت أساتذتي ومن كان متواجدًا من الزملاء بالمعهد، وحملت شهادة التخرّج، وعُدْتَ للبيت لأبشِّرَ والدتي (رحمها الله) بنجاحي وقرب عودتنا للمدينة المنوّرة.

     دخلت البيت وبشَّرتُ الوالدة، ولم أتمالك نفسي، فقد أعاد الله بأمرِهِ نعمة تدفُّق الدمع في عينيّ منذ وفاة والدي (رحمه الله)، وانهمر الدمع كالمطر، ولم أكن أستطع الوقوف أمامها بهذه الحالة، فهي تبكي كذلك، فأسرعتُ إلى غرفة النوم وأجهشت بالبكاء، حتى شَعَرَتْ بي الوالدة (رحمها الله) وكانت بخوفها عليّ أهدأ مني، وجاءتني لتهدأ من روعي. ربي آجرنا في مصابنا، وثبّت الوالد والوالدة وارحمهما وأسكنهما فسيح جناتك.

     جهّزنا أمتعة السفر، وسافرنا إلى القاهرة ومنها إلى جِدّة. استقبلنا زوج خالتي العم عثمان المدني (رحمه الله) في سيّارته الكاديلاك من باب الطائرة. وما أن تحرّكت السيّارة بضعة أمتار، سألَت الوالدة العم عثمان: كيف حال أبويا؟ فردّ عليها: الله يرحمه مات.. ليش ما قالو لِك؟ وكان ردًا بصدمة ثانية!

     في يوم 1385/9/25هـ ودَّعَ طائرُ الخطوط السعوديّة الميمون أرض عروس البحر الأبيض المتوسط وأرض الكِنانة إلى أرض الحجاز المباركة، وفي يوم 1385/9/27هـ وصلنا المدينة المنوّرة. وفي نفس الليلة حضرنا تختيم (ختم) القرآن الكريم. حينها، شُفِيَت القلوب من حُرقة الغربة، ولكن ذكرى وفاة سيدي عمر، وعدم عودتنا بالوالد (رحمهما الله) للمدينة المنورة بقيت لوعة في القلوب حتى يومنا هذا.

     وصلت المدينة المنوّرة برفقة الوالدة (رحمها الله) وأخويّ عصام (رحمه الله)، وعزالدين. رافقنا زوج خالتي السيد عثمان المدني (رحمه الله) وسعدنا بالصلاة في الحرم النبوي الشريف والسلام على سيدنا محمد بن عبدالله  (صلى الله عليه وسلّم) وصاحبيه أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب (رضي الله عنهما).

     يوم 1385/10/10هـ سافرت إلى لرياض لاستكمال أوراق التوظيف. فعرض عليّ الأستاذ حسين مصطفى جوادي (رحمه الله) العمل في مدرسة في ضواحي الرياض لمدة سنة، ثم الانتقال بعدها مفتشًا للتربية الرياضيّة في الإدارة العامّة للشباب أو منطقة الرياض التعليميّة. فرفضتُ، ثم أخبرني بأنه لا توجد في المدينة المنوّرة إلى وظيفة مدرس تربية رياضية واحدة، وأن المدرِّس الأساسي توفي في حادث العمارة التي وقعت على سكانها في باب الكومة. فوافقت على ذلك، وقلت: أموت بالمدينة المنورة أفضل وأبرك لي.

     رجعت للمدينة المنوّرة وبحوزتي أوراق التعيين، فوُجِّهت للعمل في مدرسة المتوسّطة الرابعة في -منطقة الزاهديّة- أول قباء للأشهر المتبقيّة من عام 1385هـ. وفي العام التالي، 1386هـ، كُلِّفتُ بالعمل بالمدرسة نفسها إضافة إلى القيام بوظيفة مساعد مفتّش التربية الرياضيّة، الذي كان مديرها المفتّش الرسمي الأستاذ محمد نور الدين الجزائري. ثم عُيِّنتُ مدرسً للتربية الرياضيّة في المعهد العلمي السعودي، ومفتشً تربية رياضيّة في نفس الوقت. فكان لي دوامان ما بين التدريس بالمدرسة والتفتيش.

ثم تم انتدابي للدورة الصيفيّة بالطائف، لتدريس مقرّر الكرة الطائرة. إذ أعددّت لذلك مذكرة خاصة، وحسب علمي أنها أول مذكرة تُعد بذلك الأسلوب، أعجب بها طلاب الدورة، باعتبارهم مدرِّسين سابقين لهذا للمقرّر ومقرّرات التربية الرياضيّة النظريّة والعمليّة في مدارسهم. (صور مع بعض الأصدقاء).

     وفي عام 1388/1387هـ عُيِّنت مفتّشًا للتربية الرياضيّة في إدارة رعاية الشباب في صيّادة، وكان مديرها الأستاذ محمد نوري حسن (رحمه الله).

     بعد تخرجي وحصول على درجة بكالوريوس التربية الرياضيّة من المعهد العالي للتربية الرياضية للبنين بالإسكندرية عام 1385هـ، وصل عدد خريجي التربية الرياضيّة من حملة بكالوريوس التربية الرياضيّة، في المملكة، 6 أشخاص. يحاول كل واحد منّا أن يتصدّر مكانة مرموقة في الوسط الرياضي في البلاد.

     تم تعييني مدرّسًا للتربية الرياضيّة في المتوسّطة الرابعة بالمدينة المنوّرة، وباشرتُ عملي مباشرة بعد شهر رمضان من نفس العام. في العام الذي يليه، تم تعييني مدرّسًا للتربية الرياضيّة في معهد المعلّمين بالمدينة المنوّرة، مع تكملة الدوام اليومي في مكتب رعاية الشباب بصيّادة، والعمل مساعد مفتِّش تربية رياضيّة.

     في عام 1387/1386هـ تم تكليفي بالعمل مفتّش للتربية الرياضية بمنطقة المدينة المنوّرة، وفي هذا العام، بدأتُ أرسم وأخطِّط من أجل النهوض بالتربية الرياضيّة بصفة عامّة، وألعاب القوى خاصّة، حيث كانت هوايتي المفضّلة.

     في عام 1385هـ، أتمَّ منتخب ألعاب القوى استعداداته ليمثِّلَ إدارة التعليم بمنطقة المدينة المنوّرة في البطولة السنويّة لألعاب القوى التي عقدت في مدينة الرياض. وحَصَلَ المُنتخب في هذا العام على المركز السادس. فكان همّي وعزمي أن نخرج من هذا المستوى ونصعد لمستوى أفصل.

     في نفس العام، بدأت العمل مع كافّة مدرّسي التربية الرياضيّة بالإعداد المبكِّر لمنتخب المنطقة في ألعاب القوى. فنظّمنا 3 بطولات لمسابقات ألعاب القوى، كان آخرها اختيار منتخب المنطقة. كما واجهنا بعض المصاعِب والمشاكل في الحصول على موافقة بعض أولياء الأمور لسفر أبنائهم إلى الرياض.

     اشتركنا وقدنا عروضًا جيّدة مكّنتنا من الحصول على المركز الثاني. فأُعجِبَ الأستاذ عباس حدّاوي بهذا المستوى، وصعودنا من المستوى السادس إلى الثاني. ولم يكن في تلك الأيام أي جوائز للمركز الثاني، فأهدانا الأستاذ عباس درعًا تشجيعيًّا لهذا المستوى.

     خلال هذه المسابقة كنت أقوم بمهمّتين: الأولى الإشراف على منتخب منطقة المدينة المنوّرة لألعاب القوى، يساعدني الأستاذ عبدالعزيز على نواز سندي، والثانية المساهمة في إدارة وتنظيم البطولة وتحكيم بعض مسابقات ألعاب القوى.

     في عام 1389هـ، زارنا في المدينة المنوّرة مستشاريّ صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز، أمدّ الله في عمره، الأستاذ عرفان أوبري والأستاذ رشيد دشّان. وقد كان لي معهما علاقات رياضيّة ميدانيّة من خلال المشاركات الرياضيّة العديدة في الرياض وجِدّة خاصة، وكنت ولا زلت أستشهد بالأستاذ عرفان أوبري لعِلمِهِ وثقافَتِهِ الرياضيّة العربيّة والدوليّة، وكُنتُ لهذه الأسباب أكثر المقرّبين له في العمل والملاعب بصفة شاملة.

     وكانا –حسب روايتهما- يبحثان عن الأسماء الشابّة للعمل في رعاية الشباب. وعرضا مزايا وخصائص رعاية الشباب الحاليّة (آن ذاك) والمستقبليّة. وبعد جلسة معهما، في مقر نادي التعليم/الأنصار في طريق سلطانة، وعدتُهُم بالنظر في الموضوع والرد عليهما في أقرب وقت.

     رسمتُ، بل خطّطتُ قائمة بطموحاتي وأهدافي من الانتقال من وظيفة موجّه تربية رياضيّة بالمدينة المنوّرة إلى أعلى درجة علميّة ممكنة في مجالات تخصصي. وزاد نسبة نجاح هذه الطموحات ما أشار إليه الأستاذان الكريمان مستشهدان بالأهداف والطموحات التي ينشُدُها ويتأمَّلُها صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل في شباب المملكة العربيّة السعوديّة.

     وافقت على الانتقال لرعاية الشباب، وماهي إلا أيام حتى بدأت بمباشرة العمل برعاية الشباب في مقرها ضمن وزارة العمل والشئون الاجتماعية، وكانت لي أول مقابلة مع صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز في مكتبه خارج مقر مبنى الوزارة، الذي أصبح فيما بعد ” مبنى مكتب رعاية الشباب بالمنطقة الوسطى. أرجو من خلال سطور مسيرتي هذه أن أكون ممن ساهم في تحقيق الرسالة التي خطها سموه للرياضة والشباب في المملكة العربية السعودية.

الفصل الثاني

في مَعِيَّة

صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل

كانت أول بداية لحياتي الرياضيّة العمليّة في مَعِيَّة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، أمد الله في عمره.

     فوجدت فيه الفكر الساطع، والطموح غير المحدود، والفهم النّيِّر لمفهوم وطموح وأهداف رعاية الشباب. وكنت أعمل في تلك الفترة مع كلا من: الأستاذ نشأت الرمّال، الأستاذ عبد الله العبادي، الأستاذ إبراهيم العلي (الشامي)، محمد الرويشد، وغيرهم. وبفضل الثقة الغالية، بدأت التكاليف تنهال عليّ واحدة تلو الأخرى.

     وكان أول عمل رسمي لي القيام بعمل رئيسًا لقسم المنشآت والمعسكرات وقسم شؤون الألعاب المختلفة الفرديّة، بموجب خطاب سموّه الكريم عام 1389هـ.

     بدأت الإدارة وبرفقتي الأستاذ رشيد دشّان (رحمه الله)، وكانت البداية بجمع بعض الخرائط الورقيّة (كروكيّات) للمنشآت الرياضيّة المختلفة التي تم التفكير في البدء بها. علمًا بأنه قبل قدومي، قامت الإدارة بالاتصال بالاتّحاد الدولي العالمي للمهندسين لترشيح 3 مهندسين عالميين لإعداد 3 مشاريع رياضيّة في كل من: جدّة، والرياض، والدمام. إلى أن تم إعداد الهيكل الرئيسي لرعاية الشباب على النحو الواضح في القرار.

       ثم تم تكليفي مديرًا لقسم الألعاب الرياضيّة الفرديّة، إضافة إلى إدارة المنشآت والمعسكرات بموجب قرار مدير عام رعاية الشباب صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز أمدّ الله في عمره. ثم صدر القرار الوزاري رقم 40 وتاريخ 1389/8/1هـ بتكليفي بالعمل سكرتيرًا لقسم إدارة الألعاب الرياضيّة الفرديّة وسكرتير عام الاتّحادات الرياضيّة الفرديّة..

     تُعتبر المنشآت الرياضيّة أساس البًنية التحتيّة للميادين الرياضيّة التي تفتح المجال أمام التدريب والتدريس للوصول إلى البطولة والتميّز في المجال الرياضي.

     وكان من أهم اهتمامات صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمد الله في عمره، من ضمن خطّة لتطوير المنشآت الرياضيّة بالمملكة، فكرة بناء 3 أستادات رياضيّة في كل من الرياض وجدّة والدمام، بالتنسيق مع الاتّحاد العالمي للمهندسين. ورشح الإتّحاد ثلاثة مهندسين لهذه المهمة: أحدهم المهندس كنزو تانجي (ياباني) لإستاد الرياض. 

     وحضر للمملكة السيد كنزو تانجي (ياباني) المرشّح من الاتّحاد العالمي للمهندسين، وزار صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل في مكتبه الجديد([5]) لغرض متابعة المشروع المقترح للإستاد الرياضي بالرياض.

     رافقته يومان في سيارتي الخاصة أحاول أن أمرّ في شوارع الرياض لمشاهدة المباني الحديثة ولا زلت أذكر إعجابه الشديد بمبنى المعهد الثانوي الصناعي، الواقع بالقرب من مقر وزارة العمل والشئون الاجتماعيّة.

     ولم تنفّذ أي من الأستادات الثلاثة المشار إليها، ولم يكن لرعاية الشباب ملعبًا رسميًا سوى ملعب الملزّ، الذي طُوِّرَ حتى ظهر بشكله الموضّح في الصور.

   ثم اتجه الانتباه والعمل الميداني لتطوير ملعب رعاية الشباب بجدّة (أستاد الأمير عبدالله الفيصل)، حيث يعتبر أول المنشآت الرياضيّة التي تم تنفيذها على مستوى أنشطة المشاريع الرياضيّة لرعاية الشباب بالمنطقة الغربيّة بجدّة.

     وقد تم الإنشاء والافتتاح عام 1970م، ليشمل التجهيزات التالية: الأرضيّة العشبيّة، اللوحة تكنلوجيا متقدّمة، الطاقة الاستيعابيّة 27,000 متفرّج، توسعة الملعب ليستوعب 34,000 متفرّج، وحضور قياسي 27,000 مشجّع.

____________

[5] – كان أول مكتب عمل فيه صاحب السمو الأمير خالد الفيصل في مبنى مكتب رعاية الشباب بالمنطقة الوسطى، ثم انتقل سموّه إلى مكتبه الجديد داخل وزارة العمل والشؤون الاجتماعيّة،

     شاركت كسكرتير للاتّحاد السعودي لألعاب القوى مع الأستاذ محمد الفايز القليش، عضو مجلس إدارة الاتّحاد. وكان هذا الاجتماع الأول التي شاركنا فيه لتمثيل المملكة العربيّة السعوديّة، الذي عُقد في مدينة استكهولم بالسويد، خلال الفترة من 8/11 – 1970/9/1م.

     في الواقع كنّا شبه غرباء بين بقيّة دول الاتّحاد، لذلك كنت حريصًا على إعداد نشرة مختصرة عن الاتحاد السعودي لألعاب القوى، باللغة الإنجليزية (أدناه).

     تم توزيع نسخ النشرة على جميع أعضاء الدول الصديقة في ذلك الاجتماع. وشرحت النشرة تاريخ ظهور وتطوّر رياضة ألعاب القوى في المملكة العربيّة السعوديّة. أُعجِبَ بعض المشاركون بالنشرة وبدوا يقلّبون صفحاتها، بينما وضعها البعض فوق منصّة الاجتماع لعلّهم يطّلعون عليها لاحقًا.

     ثم بدأنا التعارف على مندوبي بعض الدول لتبادل المعرفة العلميّة الخاصّة بالاتحاد الدولي وأنظمته وقواعده.

     لا شك في أن توفير عدد من المدربين في الألعاب الرياضيّة أمر ضروري للمساهمة في تشر أي لعبة والتعريف بقواعدها ومهارتها وأسلوب ممارستها. ولمّا كان من الضروري توفير عدد مناسب من حكام في ألعاب القوى لإدارة وتنظيم البطولات والمسابقات التي تقام خلال أشهر، فكان من الضروري البحث وبسرعة غير معهودة عن حل.

     فطرأت فكرة استقطاب عدد من خريجي التربية الرياضيّة السعوديين، حملة البكالوريوس والماجستير في التربية الرياضيّة، وعرضّتُها على سمو الأمير خالد الفيصل، فوافق مباشرةً. وتم استدعاء جميع السعوديين الحاصلين على أي من درجات البكالوريوس أو الماجستير والدكتوراه في التربية الرياضيّة، للحضور والاشتراك في الدورة التأهيليّة لإعداد واعتماد الناجحين منهم وتثبيتهم في الدرجة الأولى في ألعاب القوى.

     وبدأ التركيز على إعداد الحكّام، كمًّا وكيفًا، والارتقاء بمستواهم، خاصّةً وأن رياضة ألعاب القوى تحتاج إلى عدد كبير من الحكّام مقارنةً بعدد المسابقات التي تزيد عن 40 مسابقة.

     وتم اعتماد أسماء عشرة حكّام، وبناءً على موافقة سموّه، تم دعوة العدد المؤهّل رياضيًا، وجرت لهم امتحانات التأهيل وفق قواعد ونظام الاتّحاد السعودي لألعاب القوى للهواة. وتم إعلان أسمائهم رسميًّا، واشتركوا مباشرةً بالتحكيم كلٌّ في المركز الذي يتفوّق فيه.

     وكانت هذه مكرمة من مكارم سموّه على أوائل الخريجين السعوديين في التربية الرياضيّة، وتصنيفهم من حكام الدرجة الأولى في ألعاب القوى.

      اقترحتُ موضوع الدورة لسموّه الكريم، وفور موافقته تم العمل على إعدادها. إذ قام مدرب منتخب المملكة بشير الشيخ (تونسي) بالتدريس والتدريب بها تحت إشرافي كسكرتير لجنة الألعاب الرياضيّة الفرديّة، وسكرتير الجمعيّة العربية السعوديّة للدراجات.

     أقيمت الدورة خلال الفترة من 1/1- 1390/1/15هــ. وتم تقديم المحاضرات النظريّة في أحد قاعات معهد التربية الرياضيّة للبنين بالناصريّة بالرياض (معهد العاصمة النموذجي لاحقًا). وكان عدد الناجحين فيها 40 من أصل 45.

     وبدأت الدورة باستخدام الدرّاجات الهوائيّة حيث كان القليل من الدرّاجين يملكون درّاجاتهم الخاصّة، وقد كان للألعاب الفرديّة ميزانيّة متواضعة، فطالبت بدعمها، ووافق سموّه على ذلك. فذهبت على الفور إلى معرض الفالح للأدوات الرياضيّة بجوار قصر المصمك، ثم إلى مستودع الدرّاجات الهوائيّة. وتم تأمين بعض الدرّاجات، منحت بعضها للّاعبين، وخصّصنا جزء منها للتدريب.  حيث تم تدريب بعض المبتدئين في مدينة الرياض والقصيم وبدأ مسابقات الدرّاجات الهوائيّة في الرياض والخرج.

     علمت بالتعاقد مع الأخ إبراهيم (لا أذكر لقبه) مدرّب الجمباز (مصري)، فزارني (أو طلبته لزيارتي)، وناقشت معه، ثم مع مدير مكتب المنطقة الوسطى، الأستاذ عبد الرحمن الدهّام، حول التعاون بشأن افتتاح مركز لتدريب الشباب في رياضة الجمباز، واتفقت معهما على اتخاذ ما يلزم حول ذلك.

     رفعت الأمر (مفصلًا) لصاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، فوافق سموّه على الفكرة بتفصيلاتها المكونة من:

  1. إشعار مدير الجهة الشرقيّة من مركز رعاية لشباب بالملز.
  2. حجز غرفة من غرف مدرّجات الجهة الشرقيّة للمركز لحفظ الأدوات واستخدامها أثناء التدريب.

     وبدأ المركز بالعمل، وبدأت زيادة إقبال الشباب على المركز رغبةً في التدريب، مع المدرّب محمد الزريبي (تونسي) وتم إقامة عروض لبعض أنشطة رياضة الجمباز ما بين شوطي مباريات كرة القدم، للمساهمة في نشر رياضة الجمباز وتشجيع أولياء الأمور على تشجيع أبنائهم للاشتراك فيها.

     ونجحت الفكرة، حيث نجحنا في استقطاب ومشاركة بعض طلاب معهد التربية الرياضيّة في هذه العروض، والحمد لله على تواتر هذه النجاحات، ثم الشكر لصاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، الذي لم يألُ جهدًا من تشجيعنا على تشجيع تنفيذ كل فكرة فيها خدمة الرياضة والشباب.

     ثم انتشرت فكرة مراكز تدريب الناشئين بعد إصدار الرئاسة العامّة لرعاية الشباب: اللائحة التنظيمية لمراكز تدريب الناشئين بالرياض، 1396هـ. فكان لهذه المراكز دورها في رعاية الناشئين واتساع قاعدة المشاركين وظهور البراعم الناشئة الداعمة لنشر قواعد الألعاب الرياضيّة الفرديّة خاصّة ([6]).

[6] – للمزيد عن مراكز تدريب الناشئين وما تم بشأن تقيمها. انظر: تقويم مراكز تدريب الناشئين في المملكة العربية السعودية.  د/عدنان جلون، إسماعيل حامد عثمان، بحوث المؤتمر العلمي الدولي: الرياضة للجميع في الدول النامية، يناير 1985م، كلية التربية الرياضية للبنين القاهرة. لمجلد الرابع. اص 135-159.

     في 24/صفر/1390هـ، وبمناسبة افتتاح مركز رعاية الشباب بالملز بالرياض، شرّف الجميع بالحضور صاحب الجلالة الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود، تغمّده الله بواسع رحمته وغفرانه.

     وتم افتتاح ملعب رعاية الشباب بالملز، بالرياض، وكان هذا الملعب باكورة المنشآت الرياضيّة الحديثة في بداية العهد الذهبي للرياضة بالمملكة العربيّة السعوديّة. وقد استغرقت الترتيبات الإداريّة والفنيّة الخاصّة بإعداد الملعب والمهرجان الرياضي قرابة الشهرين، وبالتحديد خلال الفترة من 1/1- 1390/2/24هـ. وقد شُكِّلَت لجنة خاصّة لإعداد الملعب والمهرجان على النحو التالي:

  1. أ. عدنان درويش جلّون: مدير إدارة المنشآت الرياضيّة والمعسكرات.
  2. أ.  رشدان دشّان: خبير الإدارة.
  3.  أ. صدقي سَلاّم: خبير ومدرب ألعاب القوى.
  4. أ. جارالله العنبري: إداري (إدارة المنشآت الرياضيّة والمعسكرات).
  5. أ. عدنان درويش جلّون وأ. جارالله العنبري: إعداد كافة الإجراءات والإعدادات وتأمين كافة مستلزمات المهرجان الرياضي.

     يُعتبر المهرجان الرياضي الذي قُدِّم أمام جلالة الملك على أرض ملعب رعاية الشباب بالملز، أول مهرجان رياضي تقدمه رعاية الشباب على هذا المستوى، وبحضور صاحب أعلى سلطة قياديّة في المملكة.

ولهذا المهرجان وإعداده قصّة، نوجزها في التالي:

     وبعد اجتماع بين سمو الأمير خالد الفيصل والأستاذ عرفان أوبري والأستاذ عباس حداوي، وبحضورهما، طلبني سموّه ودخلت على مكتبه، بمقرّ وزارة العمل والشئون الاجتماعيّة، وشرحا مهمة الإعداد لافتتاح ملعب الملز، ودَفَع سموه لي مبلغ 7,500 أو 8,500 ريال (على ما أذكر)، وقال لي: عندك الأستاذ عباس والأستاذ عرفان والأستاذ حامد الأفندي، وعليك ترتيب ما يحتاجوه والأستاذ حامد الأفندي من أجل مستلزمات المهرجان. عرفت بعدها بأن هناك الكثير من المتطلّبات مثل: الملابس والمعدّات والهدايا المطلوب تغطيتها بهذا المبلغ. وبدأت المشوار يساعدني أ. جار الله العنبري، وكان أول موظف معي في إدارة المنشآت والمعسكرات، ولم تتوفّر الملابس الرياضيّة الكافية لعدد طلاب معهد التربية الرياضيّة المشاركين في المهرجان، وعددهم قرابة 400 طالب. هذا إضافة إلى عدم إمكانيّة تغطيّة قيمة الملابس في حالة توفيرها من الرياض. وتم التفاوض مع محلات الفالح للملابس والأدوات الرياضيّة -بجوار المصمك- لتأمين الملابس الرياضيّة وِفْقَ المواصفات التي وضعها الأستاذ حامد الأفندي (رحمه الله). وبَدَأَت، بل توالت، الاجتماعات مع الأستاذ حامد أفندي، وحُدِّدَت الطلبات التالية:

  1. الملابس الرياضيّة: حدَّدَ الأستاذ حاتم عدد بدلة واحدة وسليبر (حذاء) واحد لكل لاعب من اللاعبين المشاركين في العرض وعددهم 400. فقلت للأستاذ حامد: بدلة واحد لا تكفي، إذ أن العرض يتطلّب إقامة عدة بروفات، والأفضل أن تكون البدلة الخاصّة بالعرض نظيفة وفي أحسن حال. وبناءً عليه، تمت دراسة الموضوع بحيث تم تأمين بدلتين رياضيتين لكل مشارك. واختلفنا في هل سيعيد الطلاب ملابسهم، فحاولت ونجحت في إقناعه بأن يأخذ المشاركون في العرض بدلاتهم مكافأة لهم مقابل جهودهم في المشاركة في البروفات والعرض.
  2. لوحات علم المملكة العربيّة السعوديّة: تم تأمين مجموعة اللوحات المكوّنة للعلم مثله، مثلك اللوحات الخلفيّة التي تُستخدم في الدرجة الثانيّة من ملاعب كرة القدم.
  3. نموذج الحلقات (الحديد) المزوَّدة بشعار المملكة: حيث اتجهت بسيّارتي (أوستن 1100) مع الأخ جارالله العنبري إلى وِرَشْ الحِدادة في مدينة الرياض. وما هي إلا عدّة أسابيع حتى تمّت الموافقة على النموذج الموضح سابقًا. وخلال إحدى الرحلات للبحث والمتابعة، سقطت السيارة في أحد الحُفَرْ بالمنطقة الصناعيّة فانكسر عكس السيارة، وكلفني مبلغًا! تم بعدها إصلاح السيّارة وكمّلنا عملنا والحمدلله.
  4. هدايا شكر وتقدير لكبار المشاركين في المهرجان: شاركتُ في إعداد وإخراج المهرجان بالصورة التي أقرَّ بجمالها وصَفَّقَ لها الجمهور الذي احتشد في ملعب الملز والذي شَرَّفَ افتتاحه جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود (تغمّدهُ الله بواسع رحمته ومغفرته). حيث زُرتُ أهم معارض الهدايا في وسط الرياض، واخترنا أفضل هديّة متناسبة مع ميزانية المهرجان، بالرغم من أن الذين قدَّمتُ لهم القلم (شيفرز) كهديّة مميّزة للأساتذة التالية أسماؤهم:

  • الأستاذ حامد أفندي: سلمتً له هديّته بعد نهاية المهرجان.
  • العميد طارق عبد الحكيم: سلمت له هديّته بعد انتهاء المهرجان.
  • الأستاذ محمد حمزة: لم أتمكّن من لقائه، واحتفظت بهديّته قرابة 30 عامًا. وتقابلت صُدفةّ مع الأخ الأستاذ الدكتور أحمد عُقبي، فعرفت أنهما ذوي رحم، فطلبت منه -تلطفًا- أن يسلّم الهديّة للأستاذ محمد حمزة، وفَعَلْ، وبعد أيام قليلة تسلّمت تأكيدًا من الأستاذ محمد حمزة على استلامه الهدية بعد مرور عدة سنوات والتي كنت حريصًا عليها.

وقد استطعنا تأمين بدلتين رياضيتين وحذاء أبيض “سلِبَر” لكل طالب مشارك في المهرجان، بدلاً من واحدة، كمسألة احتياطيّة. كما تأمين بعض الهدايا مثل أقلام الحبر الممتازة: وهي عبارة عن أقلام شيفرز ذهبيّة، وكانت الأشهر والأكثر استعمالاً في تلك الأيام. أما بالنسبة للأجهزة الخاصّة بالعرض الرياضي، وهي عبارة عن مجموعة عصيّ وأعلام وصندوق الحديد المثبّت في الطوق –الدائرة- الذي سيحمله الطلاب ويشاركون به في العرض، فقد تم تصميمه ومتابعة تصنيعه في المنطقة الصناعيّة بالرياض. وأصبح كل شيء جاهز للعرض، وحان الوقت المناسب.

     خلال بعض بروفات التدريبات، لاحظتُ قيام بعض الطلاب بِمَدّ الأرجل في اتجاه المنصّة الملكيّة، أي في مواجهة جلالة الملك (رحمه الله) والضيوف. فاستأذنْتُ الأستاذ حامد الأفندي وهمست في أذنه وقلت له: إذا سمحت أستاذي، أرى أنه من غير اللائق أن يَمَدَّ الطلاب أرجلهم ويرفعونها ويخفضونها في اتجاه المنصة وفيها جلالة الملك. فظهرت علامات الزَعَل على وجهه، حيث أنه من الصعب أن يعيد التشكيل والتمرين مرة أخرى، وقد حفظ الطلاب كامل العرض بجمله الفنيّة والحركيّة. وانسحبت، وقلت في نفسي: اللهم إني بلّغت، اللهم فأشهد. بعد أيام وجدت أن الأستاذ أخذ بالنصيحة وغيّر وضع الأرجل في نفس تمرينات العرض والحمد لله.

     تمت الاستعدادات، وحضر جلالة الملك فيصل (رحمه الله)، ورحّبَتْ الجماهير بجلالة الملك وضيوفه، وأعطيتُ إشارة بدء العرض الرياضي. وكانت عيناي على المكان الذي يتحرّك منه سموّ الأمير خالد الفيصل، أمدّ الله في عمره، وعلى الأستاذ حامد الأفندي وهو يدير دفّة حركة العرض الرياضي.

     قبل نهاية العرض بدقائق معدودة، لاحظت أن سموّ الأمير خالد الفيصل والأستاذ عرفان أوبري يشيران عليّ بطلب تكليف الأٍستاذ حامد الأفندي بإعادة تمرينات العرض مرة أخرى.  فأسرعت من خارج المضمار متجهًا نحوه، حتى لا يتأثّر منظر العرض، ويحرَّض الطلاب والجماهير. وعندما قرِبتُ منه، طَلَب مني إبلاغ الأستاذ حامد الأفندي أن يقوم بإعادة العرض مرة ثانية مباشرة بعد الانتهاء مباشرة من  العرض، فتسلّلت بهدوء حتى وصلت إلى الأستاذ حامد الأفندي واقتنصت الفرصة وأبلغته بالأمر. فصاح بي إزاي، مش ممكن! إذ لم تجرِ العادة على ذلك. فقلت له: هذه رغبة سمو الأمير خالد الفيصل! وانسحبت إلى مكاني عند بوابة الخروج الشرقيّة للملعب، وكنت على أعصابي خِشيَة ألّا يعيد العرض مرة أخرى. كما كان الأستاذ حامد الأفندي على أعصابِهِ وكان بين مصدِّق وغير مصدِّق، وأقدِّر له ذلك الموقف.

     وانتهت فترة تقديم العرض، وسَكَتَ الجميع. وما هي لحظات، حتى أصدر الأستاذ حامد الأفندي تعليماته لقائد الفرقة الموسيقيّة بإشارة 4 ضربات على الطبل الكبير إيذانًا بإعادة العرض مرة أخرى. عندها تنفستُ الصعداء، وارتحت. وانتهى العرض الثاني، ووَقَفَ الضيوفُ والجمهور وداوموا التصفيق لعدّة دقائق على جَمالِ العرض والتمرينات وطريقة استخدام الأطواق والأعلام والأدوات المصاحبة له. تم الافتتاح، وقُدِّمً العرض، وسُلِّمَت الهدايا لأصحابها، والحمد لله على ذلك.

     وفي اليوم نفسه (1390/9/24هـ)، وعلى شرف المغفور له جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز، والذي تم افتتاح ملعب الملز به، احتضن المباراة الختاميّة على كأس جلالته، والتي جَمَعَتْ ناديا الأهلي والشباب. وقد أنهاها الأهلي لصالحه بهدف سليمان مطر (الكبش)، الذي يعتبر أول هدف سجل في هذا الملعب.

     أدار المباراة الحكّام: صالح غلام، وعبدالله كعكي، وعبدالرحمن الدهّام. وكان أبطال الإنجاز: أحمد عيد، وعبدالله يحيى، وعبدالرزّاق أبو داود، وحامد صومالي، وعبدالله المرزوقي، وصالح عبد الكريم، وعبدالرحمن بفلح، وساعد رزق، وعمر راجخان، وسعيد بركي، والكبش. ولَعِبَ سعود سمان بديلاً عن ساعد رزق، ولَعِبَ سعد الهدار بديلاً عن سعيد بركي. وكان مدرِّب الفريق: أحمد اليافعي وعبدالله عبد الماجد.

 

 

     في عام 1390هــ/1970م، تسلَّمَت رعاية الشباب دعوة خاصّة للمشاركة في بطولة الجامعات (الاتِّحادات) التونسيّة، في تونس. وراح كل الموظفين يحلُمُ في المشاركة في المهمَّة التي ستقام في فصل الصيف.

     طلبني صاحب السموّ الملكي الأمير خالد الفيصل في مكتَبِهِ، مع مجموعة من الزُملاء الموظَفين، فجلسنا نستمع لنصائِحِهِ وتوجيهاتهِ بشأن هذه المشاركة. وأكَّدَ سموّه على أهميّة تمثيل المملكة بأحسن صورة وأفضل أخلاق، وكنّا نستمع بآذان صاغية، متطلّعين إلى من سيكون رئيس الوفد الذي تنتظر معرفته الجهات المسئولة في تونس.

     وبعد صمت، تهيّأنا للمفاجئة حينما قال سموّه: والأستاذ عدنان جلّون رئيس الوفد. ووجَّهَ حديثّهُ لي قائلًا: أريد أن أعرف كل صغيرة وكبيرة عن نشاطكم وما فعلتموه وما اكتسبتموه من هذه الزيارة. ثم أَذِنَ لنا بمغادرة مجلسه.

     صٌعِق الجميع، وكنتُ أوَلَهُمْ، وانتهى تشكيل الوفد، بي رئيسًا ومرافقة كل من: 

  1. جار الله العنبري
  2. عبدالرحمن الطويل
  3. عبدالرحمن الدهام
  4. عبدالرحمن العليق
  5. عبدالرحمن بن سعيد
  6. عبدالله السحيباني
  7. علي العلي
  8. ناصر البراقة
  9. منير عبود

     وصلنا تونس العاصمة، ورحّبوا بنا وبوصولنا، وتم توزيعنا على عدّة لجان إداريّة وماليّة وفنيّة، بحيث تتاح لنا الفرصة لاكتساب أكبر قدر من تقنيّات إدارة وتنظيم الدورات الرياضيّة.

     وقد التقيت خلال الزيارة بمعالي الأستاذ فؤاد المبزّغ، وزير الشباب التونسي، وبمعالي كاتب الدولة للشباب والرياضي (للأسف يفوتني اسمه). وتوضِّح هذه الصورة جلسة مع معالي الوزير، والعميد طارق عبدالحكيم (رحمه الله)، وأ. صالح العجروش.

     كما توضّح هذه الصورة كامل أعضاء الوفد وهم (حسب الأرقام في الصورة): وهم: 1- جارالله العنبري، 2- عبدالرحمن بن سعيد، 3- ناصر البراكة، 4- منير عبود، 5- عبدالرحمن الطويل، 6- علي العلي، 7- عبدالرحمن العليق، 8- عبدالله السحيباني، 9- عدنان جلّون (رئيس الوفد)، و10- عبدالرحمن الدهام. كما فاز اللاعب السعودي سعد بخيت بالمركز الثاني في البطولة. وقمت، بصفتي رئيس الوفد السعودي، بتسليم عدد من الجوائز لعدد من اللاعبات واللاعبين.

     واتجه الطائر الميمون في طريق العودة، وكنت ألَمْلِمُ شعث بقايا التقرير الإداري والفنّي الشامل عن الرحلة، والذي كُنتُ قد بدأته من لحظة إقلاع الطائرة من الرياض متجهة إلى جينيف، ثم روما، ثم تونس.

     دخلت على سموّ الأمير خالد مُسَلِّمًا بعد الوصول، فرَحَّب بي، وأول ما سألني عنه التقرير! وقال أريد أن أعرف كل شيء، فوعدّتُهُ بتسليم التقرير قريبًا. وفي صباح أحد الأيّام، بعد الرحلة، قمت بتسليم التقرير لسموّه. وبعد صلاة الظُهر، وزَّعَ سموّ الأمير خالد الفيصل، الخطابات والملاحظات الخطيّة (بخطِّه مباشرة) لكل واحد من المشاركين في هذه الرحلة. فحمدتُ الله تعالى على أن قُمتُ بواجبي نحو وطني والرياضة والشباب بصفة عامّة.

     اجتهدتُ منذ تكليفي بسكريتارية اللجنة العليا للألعاب الرياضيّة ومدير إدارة الألعاب الرياضيّة الفرديّة، في إحياء وتنشيط هذه الألعاب.

     وكانت الرماية بالسهام، بصفة خاصّة، أحد الأنشطة التي كنت أسعى لتفعيلها وإظهارها بين بقيّة الألعاب الرياضيّة المدنيّة والعسكريّة. وسعيت حثيثًا منذ عام 1391-1412هـ. لتحقيق ذلك.

     وتم تأسيس الاتِّحاد العربي السعودي للرماية وأُعيد تشكيله في 1407/7/13هـ وتم تشكيل مجلس الإدارة كما يلي:

  • الفريق أول/ عبدالله بن عبدالرحمن آل الشيخ رئيسًا
  • فريق/ هاشم محمد عبدالرحمن نائبًا للرئيس
  • المقدّم/ فهد المهوس الحربي السكرتير العام
  • الرائد/ فهد محمد العطيشان عضوًا
  • الدكتور/ عدنان درويش جلّون عضوًا
  • السيد/ عبدالحميد الهويملي أمينًا للصندوق

والمكتب التنفيذي للاتِّحاد من:

  • الفريق/ هاشم محمد عبدالرحمن رئيسًا
  • المقدم/ فهمد المهوس الحربي سكرتيرًا
  • الدكتور/ عدنان درويش جلّون عضوًا

     كان لي مجموعة من الأهداف التي خطَّطتُ ووعدتُ نفسي بتحقيقها قبل الانتقال لرعاية الشباب ومنها: الدراسات العليا.

     وبدأت بالحصول على قبول من المعهد العالي للتربية الرياضيّة بالقاهرة، فرُفِضَ طلبي. وقيل لي: ابحث عن قبول آخر! وبدون إبداء السبب. فحصلت على قبول من جامعة ليدز ببريطانيا، وقدّمتهُ للجنة الابتعاث، وطالت مدة الانتظار وكَثُرَتْ الوعود بشأن انهاء الطلب والبتْ فيه.

     وفجأة كان الأستاذ محمد عبد الرحمن رمضان مسافرًا في مهمة إلى منطقة أبها، فطلبت منه حمل رسالة منّي إلى صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة عسير. فرحَّبَ ووعدني بإحضار الرد، خلال 3 أيام.

     وصلتني رسالة سمو الأمير خالد، الموجّهة إلى سمو الأمير خالد بن محمد، وكيل وزارة المعارف. سلَّمتُه الرسالة شخصيًا، ووعدني بحل المشكلة وإظهار النتيجة في أقرب وقت.

     سافرت بعدها في مهمَّة رياضيّة إلى سيؤول بكوريا الجنوبية، وعُدتُ بعد 10 أيام تقريبًا، ووجدت في مطار الرياض من يبشرني بظهور الموافقة على مشاركتي في بعثة رسميّة للدراسة العليا في بريطانيا لتحضير درجة الماجستير في “الفروسية”.

الفصل الثالث

في مَعِيَّة

صاحب السمو الملكي الأمير عبدالرحمن الفيصل

كانت أول بداية لحياتي الرياضيّة العمليّة في مَعِيَّة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، أمد الله في عمره.

     فوجدت فيه الفكر الساطع، والطموح غير المحدود، والفهم النّيِّر لمفهوم وطموح وأهداف رعاية الشباب. وكنت أعمل في تلك الفترة مع كلا من: الأستاذ نشأت الرمّال، الأستاذ عبد الله العبادي، الأستاذ إبراهيم العلي (الشامي)، محمد الرويشد، وغيرهم. وبفضل الثقة الغالية، بدأت التكاليف تنهال عليّ واحدة تلو الأخرى.